Saturday, 20 September 2014

الوطن في قصائد الشاعرة السورية سلوى فرح




دراسة حول ديواني ,,(أزهر في النار) بقلم الشاعر جاسم نعمة مصاول,,القنصل العراقي في مونتريال,,كندا,,مع الشكر والتقدير.

الوطن في قصائد الشاعرة السورية سلوى فرح

شاعرة مبدعة تجد أن قصائدها لها شخصيتها الخاصة ولم تكرر ماسبقها من شعراء، لها اسلوب فذ في اختيار كلماتها... تأخذنا الى عالم الفرح والسعادة والأمال الرومانسية غير المحدودة والاحلام المحلقة في سماء الشعر التي تمتاز بها قصائدها، هي القادمة من أرض الشام، أرض النسائم العليلة والحضارة الممتدة عبر قرون من الزمن.
تمتاز قصائد سلوى فرح،الآرامية الأصل عربية اللغة، بالرومانسية والتحليق العالي والشفافية والصدق، فضلاً عن الايقاع الموسيقي ليضفي على قصائدها جمالاً غنياً بكلمات الحب والعشق الحقيقي الخالد الخالي من الخداع والتزييف، أما القائها فهو موسيقى بحد ذاته يتناغم مع مخارج الحروف وايقاع الكلمات النابعة من اعماق الروح، كيف وهي استاذة موسيقى في بلدها، فهي على معرفة تامة بكيفية إلقاء قصائدها وفقاً للجو الذي تعيشه القصيدة، وهي أكثر ما تكون بعيدة عن الصراخ والضجيج.
تستمد قوتها من قوة الآراميين الذين كانوا نداً قوياً للأشوريين وكبريائها وعنفوانها من جدتها زنوبيا ملكة تدمر المعروفة بقوة شكيمتها وعلو شأنها، وتستمد روح التمرد والثورة ضد الواقع من جان دارك الشهيدة الفرنسية. تحب التحليق كالفراشة في أجواء لاحدود لها، تأخذ القارىء الى عوالم ليست عوالمه الأرضية بل الى عوالم تفيض محبةً وخلوداً وصدقاً مع النفس المطمئنة في السماء، وليس مع تلك النفس الأمارة بالسوء في الأرض. سلوى فرح هي صرخة مدوية بالمحبة والسلام والجمال ضد الحروب والعنف، هي وريثة سنية صالح وغادة السمان وأمل جراح وشاعرات سوريات كثيرات في عالمنا المعاصر، لكنها تتميز بإسلوب خاص بها لوحدها ولم تقلد أحداً في الشعر واستاذها الوحيد هو والدها الشاعر الراحل موسى فرح رحمه الله.
وأنا أعترف هنا بأنني قد غمطتُ حق هذه الشاعرة في مقال لي عن شاعرات عربيات في مونتريال نشرته في صحيفة عربيه تصدر هناك في شهر مايس 2014، لكن بعد قرائتي لديوانها " أُزهِرُ في النار" الذي صدر في شهر نيسان من هذا العام، اكتشفت أنها شاعرة متميزة مختلفة حقاً ولها اسلوبها الجمالي الخاص في ذلك، فضلاً عن ايقاعها الموسيقي وقوة بلاغة العبارات الشعرية ولغتها العربية الرصينة والصورة الرمزية التي تتميز بها قصائدها.
عندما نطالع قصيدتها " شام اليقين" المنشورة في جريدة المدى بتاريخ 26/8/2014 – العدد 3157 نجد أن الوطن هو هاجسها المستمر، هو ليس قطعة الأرض المحددة بشعب، بل هو الفضاء الذي اغتالوه، هو القمر الذي ينتحب، هو الحلم الذي تبحث عنه في المنافي وبلاد الغربة مثل عرش تتعبد فيه كناسك ويعتصرها الحنين لرؤية الوطن- الأم ، إذ تقول:
اغتالوا فضائي عشية أمس
قمري ينتحب
يعتصرني الحنينُ الى تلك الليمونة
الغافية على كتف أُمي
أين أنت أيها الحلم
أُريد عرشاً في زوايا عينيك
كناسكٍ أتعبدُ فيها
سأنتزع خنجر الغربة
من خاصرتي صارخة

وفي قصيدة "لأنني أحلمُ "  في ديوانها " أزهرُ في النار" ص14، يعيش الوطن في ذاكرتها في ظل غربة قاتلة تود أن تغادرها الى الوطن الحبيب الساكن قلبها حيث يتحقق الحلم البعيد المنال إذ تقول:

وفي كل مرة أتحدى الريح
يطعنوني برُمحٍ وثني!!
وتتساءل:
أما للفرح من شهقة أخيرة؟
وللملائكة عرسٌ في السماء
هل ستحتفل الأرض بيوم السلام؟
هل سيصفَّقُ الربيع للنصر..
ثم تتحدى وبروح قوية رغم الجراح :
سأبقى أحلم ..
رغم انف الأعاصير
وأعشق قوس قزح
عمّدنِي يامطرُ...
وفي قصيدتها " كن وطني" ص16، تدعو من عاشقها أن يكون هو الوطن الذي يجمع النهر والبحر والطيور والزهور وندى الفجر، إذ تقول بكلمات نابعة من روحها النقية وحولت الوطن الى حبيب:
كن نهري...
لأرفَّ يمامةَ نورٍ حول روحِك
*   *   *
كن بحري يا أمير شواطئي
لأغرق في أمواجك
*   *    *
أحبكَ قبل الولادة ..
أحبكَ بعد البعث ..
*   *    *
دعني أموْتُ على راحتيكَ
أتشظى بين شفتيكَ
جزراً وخلجاناً
    *    *    *
كن خلودي وهوائي
تنفس كي أحيا
كُن وشمي .. كن عطري
كُن وطني لأهيم فيكَ

أما قصيدتها " قُبل شهقة النعناع" يشدها الحنين الى وطن غادرته في لحظة ما لكن عينيها ظلت مشدودة اليه وقلبها يهفو دائماً الى هذا الحبيب الذي تفتديه :
يتيمةُ الروح في ليلِ الصفير
أُ حتضَرُ في سراديب الصمت
 *         *        *
لا ملاذَ لقلبي إلاّ لك  .. أنت ملاذي
ولا يثملني إلا عُطركَ ..
*        *         *
وأنثر شذا حنانِكَ
لأعرش على أغصان
النور صوب القمر
أستعير هالته ليصحو
الفجر من شفتيك ..
أفتديك بدمي ....
*         *         *
وأتماهى مع روحكَ
هبني نبضك لأترنَم .. أُحبُكَ
وفي قصيدتها " ترنيمةُ أحلامي" تبحث عن الوطن في خطوط جبين الحبيب وتظل روحها هائمة لان ليس هناك شيء في هذا الكون يعوضها عن الوطن الأم، حيث ملاعب الطفولة البريئة والتعلم والأحبة الذين مازالوا هناك في وطن يصارع الموت:
هائمة روحي في مظلة البرق
أتلظى على لهب التُراب
      *       *       *
يجرُ الحنين في عيني
نحو شواطيء الياسمين
دعني أفتشُ في خطوط جبينك 
علني اجد وطني
لأدون بماء النور... أُحبّكَ

أما في قصيدة " نزيف البراءة" فهي تجسد هنا شموخ الوطن، وكبرياء زنوبيا، فضلاً عن يقينها بانها بدون الحرية لايمكنها الابحار:
لن أذرفَ دموعي
على أعتاب القهر
مازلت أتحدى
أنا جلنارةُ الشرق، عذراء الروح
لا أنحني
لا تساومني على ذاتي
شامخةٌ أُبعثُ
    *        *       * 
أنا وطنٌ لا أزهرُ إلا بقطرات الخلود
ولا أُبحرُ إلا بأشرعة الحرية

أما حنينها الى الوطن الأُم فلا يضاهيه شيء أكبر في هذا الكون، فهي لا تعترف بالغربة في المهجر لأن عيونها ترحل هناك الى الوطن المحفور في الذاكرة والقلب، هو الوجع الدائم الذي تستمد منه القوة والصبر والشموخ إذ تقول في قصيدة " لا تقطعوا بسمات نيسان" :

من قال : الغٌربةُ هي ملاذي الأخير؟
هناك ربوعي ...
بين شقائق النعمان تنزفُ روحي
وطني أمي ودمي
لأجله شامخة كسنديانة.
اما في قصيدتها " ملائكة العِنَبِ " تؤكد ان الحنين الى الوطن الذي تعشقه كثيرا أسهدها وصادر نومها:
احترقَ الليلُ بدفءِ حنيني يا وطني
تطفو كزهرةِ الاوركيد على دموعي
ثم تسأله:
هل انتحرَ الياسمينُ يا دمشقُ؟
يا موج الثمر على خد النسيم لا تبكِ ...
وفي قصيدتها " طالما انتَ حبيبي " كان الوطن ومازال يسير في شرايينها رغم بعده عنها، كما انها لا تود في قرارة نفسها ان تفارقه لكن عاديات الزمن من ابعدها عنه:
وتتنفسُ من روحي وانتَ البعيد؟
روحي تحاكي روحكَ عبر المسافات
وكيفَ أرحلُ الى شطآنِ غريبةٍ
وانتَ أقربُ من الدمِ الى قلبي؟
واعمقُ من الهواء الى نفسي
طالما حبكُ يطعمني خبزُ الحرية
أنتَ حريتي!

لم نجد أية تعقيدات في بناء القصيدة لدى الشاعرة سلوى فرح بل هناك سلاسة في طرح الأفكار وتتسلل كلماتها العبقة الى ذواتنا الإنسانية بدون تعقيد او غموض.
اما الموسيقى الداخلية للقصائد فهي رائعة حقا ومنسجمة مع الإيقاع النفسي وعاطفة المشاعر الإنسانية فيها كثير من الرقة، لكن نجد حتى في بعض القصائد غضب مشوب بالحنان يحمل روح التمرد، كون الشاعرة لا تحب المألوف فهي دائما تسير في طريق التحدي.
اما الصور الشعرية في القصائد عندما نقرأها نجدها عبارة عن لوحات فنية اتقنتها يد الرسام ــ الشاعر في تشكيلها بألوان زاهية تبعث البهجة والتخيل لدينا، إذ ابدعت الشاعرة في اعتماد قدراتها التخيلية في التركيب بين عناصر طبيعية وأخرى إنسانية.
ونستطيع القول ان قصائدها تندرج تحت شعر الرؤيا الذي يرتبط برؤيا الشاعرة بقراءة قضايا العصر من زاويتها ولا تستند فيها الى الحقائق المألوفة لدينا، بل وظفت طاقاتها وقدراتها التخيلية في خلق وتشكيل عالم جديد يمتزج فيه عديد من الأمور عبر لغة غير مألوفة لدى القارئ المعاصر، وقد اضافت شيئا جديدا للقصيدة العربية الحديثة في استعمال هذه المفردات الجميلة، فهي تجاوزت الظاهر المحسوس الى الباطن حيث جوهر الأشياء وحقيقتها من اجل خلق وابداع يستند الى تجرية إنسانية ذاتية توحي بالعديد من الدلالات العميقة عن الذات والطبيعة والكون بأجمله.
نرجو ان نكون قد وفقنا في هذا العرض الموجز عن ابداعات شاعرة عربية اضافت شيئا جديدا تخيلياً خلاقاً للقصيدة العربية الحديثة.

0 comments:

Post a Comment